الإعلام السعودي... بين الواقع والمأمول
تركي فيصل الرشيد
يلعب الإعلام دوراً تنويرياً رائداً وهاماً في حياة المجتمعات، إلا أن الإعلام السعودي وللأسف ما زال مقصراً في القيام بأعباء هي من صميم اختصاصه، لجانب تكريس مفاهيم التربية الصحيحة والديموقراطية وتغيير السلوك الإنساني نحو الأفضل ومحاربة العادات والآفات الاجتماعية المقيتة، ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز التعاون بين السلطات والتقريب بين طبقات وطوائف المجتمع وغير ذلك من الأدوار المناطة بالإعلام بأنواعه المختلفة.
من هنا يتبين لنا أن هناك شبه تركيز من جانب إعلامنا على الخبر دون تسليط الضوء على الحدث رغم ما له من أهمية، إذ إن الخبر رغم أهميته في وسائل الإعلام إلا أنه أصبح معلومة عابرة نسمعها أو نقرأها وغالباً ننساها، وما إن يتم نشرها حتى تختفي وتتلاشى دون أن تترك صدى أو تداعيات أو أن يكون لها تأثير في حياتنا. وهناك فرق كبير بين الحدث والخبر، حيث ينتج الخبر عن عملية تنقلها وسائل الإعلام كأن نقول – مثلاً-: "ارتفع سعر برميل البترول إلى .. دولار"، أما الحدث فهو عملية صناعة ذلك الخبر ورسم صورته بطريقة تجعله يأخذ أبعاداً تتجاوز حدوده الجغرافية وأهميته السياسية أو الاجتماعية، وبذلك فالحدث يعتمد على قائمة طويلة من الأخبار يختار بعضها ليسلط الضوء عليها بطريقة قد تجعلها تتحول من خبر عابر إلى قضية هامة تتناقلها جهات إعلامية بطريقة تجعلها القضية المحورية والمشكلة الجوهرية. وهنا يبرز دور الإعلام بألا يقتصر فقط على نقل أو رصد أو ترجمة الأخبار ونقلها كما هي دون تحليل، بل تقع على عاتقه مسؤولية شرح وتحليل هذه الأخبار بما يستفيد منه القارئ في حاضره ومستقبله.
وبالنظر إلى واقع إعلامنا العربي بعامة والسعودي خاصة نجد أن هناك قوى اجتماعية وسياسية وإعلامية عدة أثرت على وسائل الإعلام وجعلت جل تركيزها على نقل وترجمة الأخبار فقط، وكأنها بذلك تصرف نظر القارئ عن الحدث وتحرم المجتمع بأطيافه المختلفة من إمكانية الاطلاع على أحداث أخرى تكون بنفس الأهمية إن لم تكن أهميتها أكثر إلحاحاً من الأخبار المتداولة، فمثلاً تم إشغال الناس بأخبار تناولت بعض أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو متاهات الفتاوى وتداعياتها أو غير ذلك من الأخبار التي على الرغم من أهميتها في حينها إلا أن هناك ما كان يجب التركيز عليه أكثر، ما جعل المتابع للشأن العربي في وسائل الإعلام يعتقد أن هناك أزمة دينية أو أزمة إرهاب ديني، علماً بأن هناك قناعة راسخة وسائدة في أوساط أمريكية وغربية عدة، مفادها أن الحرب على الإرهاب التي شنتها واشنطن ضد العراق وأفغانستان على امتداد السنوات السبع الماضية، وكلفت الخزانة الأمريكية 750 مليار دولار حتى الآن، هي أحد أبرز أسباب انهيار العالم الرأسمالي اقتصادياً لمصلحة قوى عظمى جديدة غير غربية بدأت تطل برأسها مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل.
كما يظن البعض أن هناك أزمة دينية تهددنا بعواقب وخيمة، على الرغم من أن أزمة الدين ليست معزولة عن إطارها الاقتصادي والسياسي وأبعادها الاجتماعية، فليس البعد الديني هو المؤثر الجوهري في الموضوع، وهنا أشير إلى ما كتبه إبراهيم السكران: "إذا كانت قضايا الإصلاح والتنمية هي (قيادة المرأة، بطاقة المرأة، توسيع الاختلاط، الحفلات الموسيقية، والسينما، إلخ) فأعترف بكل وضوح أن المشكلة هاهنا مشكلة دينية فعلاً.. لكن إن كانت قضايا الإصلاح والتنمية هي قضايا (الإسكان، التعليم، الصحة، المواصلات، التضخم، الدين العام، والفساد الإداري،....) فلست أدري أين الإشكالية الفقهية هاهنا؟"
بعد استعراض ما سبق يتضح أن عملية صناعة الحدث العربي نجحت – بكل أسف - في تفريغ السياسة من مضمونها، وانتزعت التفكير بالأمور الجوهرية من عقول المفكرين والمستهلكين، وخدرتهم بجرعات كبيرة استطاعت من خلالها أن تقنع الكثير منهم بأن معضلة القرن الحادي والعشرين في الوطن العربي هي معضلة الدين والإرهاب الديني. وبذلك قلصت هذه العملية قدرة الإنسان العربي على استحضار عوامل أخرى قد تكون أكثر إقناعاً في تفسير ما آلت إليه المنطقة من استقطاب وتشرذم، فالمشكلة في العالم العربي هي مشكلة جياع وآخرين مصابين بالتخمة، مشكلة شباب ونساء يعانون من وطأة البطالة والغلاء والقروض الاستهلاكية التي أرغمت في بعض الأحيان أباً على قتل أسرته وأولاده ثم قتل نفسه كما قرأنا في بعض الأخبار.
أخيراً، على إعلامنا أن يركز على صناعة الحدث، مع التنبه إلى أن الحدث يتطلب جهوداً كبيرة وإدراك أن على كاهله مهام جسيمة وأحمالاً ثقالاً يجب أن يضعها ضمن قائمة أولوياته، منها تقديم الحلول والاقتراحات لأصحاب القرار، وألا يكون الإعلام أداة لتلميع وإبراز أفراد معينين من المجتمع، كما تقع على عاتقه حماية المواطنين من الظلم والاستغلال في الداخل أو الخارج.
الخلاصة
إن الإعلام مطالب بأن يسلط الضوء على ما تعانيه الدول العربية من أزمات وما تعانيه شعوبها من اضطهاد وظلم، كما أنه مطالب أيضاً بتقديم الحقائق والبعد عن التزييف والخداع وتشويه الحقيقة، وكذلك الوقوف بجانب طلاب العلم والمواطنين عند تعرضهم للسطو والاحتيال والابتزاز سواء في الداخل أو الخارج، وهذا يأتي في مقدمة الأولويات.
* كاتب سعودي
صحيفة الوطن السعودية
الاثنين 3 ذو الحجة 1429هـ الموافق 1 ديسمبر 2008م العدد (2985) السنة التاسعة